في أعقاب سقوط نظام الأسد، بدأت تتكشف فصول مروّعة من تاريخ قمع النظام السابق، فقد تم العثور على مقابر جماعية تضم جثث آلاف السوريين الذين قُتلوا في زنازين المعتقلات بعد سنوات من التعذيب والاختفاء القسري.
توزعت المقابر الجماعية المكتشفة حديثا على مناطق واسعة تمتد من ريف دمشق الشمالي والعاصمة دمشق إلى الريف الجنوبي، وصولا إلى محافظة درعا.
وأعلن فريق الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) أن فرقه ما زالت تتلقى بلاغات مستمرة عن وجود جثث مجهولة في مواقع متفرقة داخل سوريا، مما يعكس حجم الكارثة الإنسانية واستمرار الحاجة إلى جهود عاجلة لكشف الحقيقة وإنصاف الضحايا.
وأكد الفريق في بيان أن هذه الجثث المبلغ عنها يجري توثيقها وحفظ مقتنياتها، ومن ثم نقلها ودفنها في أماكن مخصصة وبطريقة لائقة تتناسب مع العادات المجتمعية والدينية، وبما يساعد في إمكانية التعرف عليها لاحقاً.
من بين هذه الفظائع، برزت المقبرة الجماعية الناجمة عن "مجزرة التضامن" كأحد أبرز الأمثلة، بعدما وثقت بكاميرات القتلة الذين أعدموا ورموا الضحايا في حفرة أضرمت فيها النيران في حي التضامن جنوبي دمشق، ليخلّد هذا المشهد كواحد من أكثر الجرائم قسوة في تاريخ سوريا الحديث.
يومها، ظهر العنصر في قوات النظام أمجد يوسف في مقطع فيديو نشر عام 2022، يوثّق لحظات مرعبة وهو يقود رجالا عزّلا معصوبي الأعين نحو خندق كبير، طالبا منهم الركض ليطلق النار عليهم من مسافة قريبة، سواء عند اقترابهم من حافة الخندق أو بعد سقوطهم فيه.
لكن هذه الواقعة التي وثّقت ذلك اليوم لم تكن الوحيدة؛ فسكان حي التضامن جنوبي دمشق أكدوا أن هذه الجرائم بدأت في عام 2013، لكنها استمرت لسنوات لاحقة. تحدث السكان عن مشاهد مروعة لقوات النظام وهي تحضر أشخاصا مقيّدين إلى حي التضامن، يسمعون بعدها أصوات طلقات نارية يعقبها انتشار رائحة لحم محترق.
وقال أحد سكان الحي لوكالة رويترز إن أصوات إطلاق النار ورائحة اللحم المحترق استمرت حتى عام 2019. وأشار إلى أن قوات أمن النظام كانت تطلب في كثير من الأحيان من بعض السكان مساعدتها في حفر مقابر جماعية مما يعني وجود عدد من المقابر الجماعية في التضامن.
استطاعت المنظمات الحقوقية والمنظمات الإنسانية الوصول إلى هذه المقابر عقب سقوط النظام كما جرى اكتشاف مقابر جماعية أخرى لم يسلط عليها الضوء سابقا وهي:
مقبرة جماعية في جسر بغداد
وفي 16 كانون الأول الجاري، رصدت وكالة الأناضول، مقبرة جماعية في منطقة جسر بغداد بريف العاصمة السورية دمشق، حيث عثر على بقايا جثث يعتقد أنها تعود لمدنيين قتلوا على يد النظام السوري المنهار، مشيرة إلى أنّ المقابر الجماعية عثر فيها على أكياس يعتقد أنها تحتوي على رموز السجون وأسماء القتلى في حفر طويلة وعميقة لجثث مدفونة بعضها فوق بعض.
ورصدت وكالة الأناضول مقبرة جماعية في منطقة الحسينية بريف دمشق، وأظهرت المشاهد المصورة أكثر من 100 حفرة يصل عمقها إلى نحو 20 متراً، تضم جثامين مكتظة لأشخاص يُعتقد أنهم اعتقلوا على يد قوات نظام الأسد.
مقابر جماعية في نجها بريف دمشق
وفي مقبرة نجها بريف دمشق، كشف حارسها أيمن خليل، في شهادته عن أحداث مروعة شهدها في المقبرة منذ بدايات الثورة السورية، مؤكدا مشاهدته لسيارات شحن كبيرة تحمل جثثا فرّغت في حفر داخل المقبرة.
وفي إحدى المرات، وصف خليل في حديث لوكالة الأناضول كيف اضطر إلى الابتعاد بسبب الرائحة القوية المنبعثة من الجثث. وأكد أن عمليات الدفن كانت تتم أحيانا خلال النهار في بداية الثورة، ثم أصبحت تجرى ليلا باستخدام معدات ثقيلة مثل الجرافات.
أشار خليل إلى أن رؤية آلية الحفر الكبيرة على مدخل المقبرة كان يعني عملية دفن ضخمة، موضحا أن أعداد الجثث كانت تتراوح بين 100 إلى 150 في الشحنة الواحدة أحيانا.
مقبرة جماعية في ريف درعا
كما عثر أهالي ريف درعا (يوم 16 كانون الأول) على مقبرة جماعية في أطراف مدينة إزرع، تعود إلى أكثر من عشر سنوات. وتقع في منطقة كانت تخضع لسيطرة ميليشيا تابعة لفرع الأمن العسكري التابع للنظام السوري.
وأفادت شبكة "درعا 24" الإخبارية المحلية أن المقبرة اكتُشفت في مزرعة تُعرف باسم "الكويتي"، التي كانت سابقاً تحت سيطرة تلك الميليشيا. مع غياب أي تقديرات دقيقة بشأن العدد الإجمالي للجثث المستخرجة من الموقع إلى الآن.
مقبرة جماعية على طريق مطار دمشق
كما انتشلت فرق البحث في الدفاع المدني السوري رفات 21 جثة منقولة مجهولة الهوية من موقع في ريف دمشق الشرقي، عقب بلاغ وصل للفرق بوجود رفات منقولة غير مدفونة في موقع طريق مطار دمشق الدولي في ريف دمشق الشرقي.
وتبين عند معاينة الموقع أنه عبارة عن أرض زراعية غير مستثمرة، يوجد فيها ركام وأتربة، وبحسب شهود عيان وأهالٍ في المنطقة فإن هذه الرفات لم تكن موجودة في المكان وشاهدوا سيارة محملة بهذه الرفات ووضعتها في المكان وغادرته وكان ذلك بتاريخ 9 كانون الأول 2024.
المقبرة الجماعية في القطيفة
وفي اليوم التالي، (17 كانون الأول) أعلن مدير المنظمة السورية للطوارئ معاذ مصطفى عن بدء العمل في مقبرة جماعية ضخمة في منطقة القطيفة، شمالي العاصمة دمشق، تحتوي على عشرات الآلاف من جثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب أو في ظروف قاسية داخل سجون النظام السوري بين عامي 2012 و2018. واستطاعت الفرق الوصول إليها عقب سقوط النظام بعد أن كشف عنها شاهد أطلق عليه اسم: "حفار القبور" قبل سنوات.
وقال مصطفى لتلفزيون سوريا إنهم بدأوا جمع عينات من مقبرة القطيفة التي كشف عن تفاصيلها الشاهد "حفار القبور" عام 2021 والذي هرّبته المنظمة خارج سوريا للإدلاء بشهادته في عدة محاكم دولية.
وأوضح المصطفى بأن المعلومات الأولية حول المقبرة ظهرت في عام 2021 عندما كشف الشاهد "حفار القبور" عن وجود موقع دفن جماعي للنظام السوري في منطقة القطيفة.
إرسال تعليق